بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم رحمك الله:
- أن كلمة الإخلاص "لا إله إلا الله"؛ لا تنفع قائلها إلا بمعرفة معناها:
وهو نفي الإلهية عما سوى الله تعالى والبراءة من الشرك في العبادة، وإفراد الله بالعبادة بجميع أنواعها، كما قال تعالى : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ}، ومعنى {سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}؛ أي نستوي نحن وأنتم في قصر العبادة، وترك الشرك كله.
وقال الخليل عليه السلام: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، فهذا هو حقيقة معنى "لا إله إلا الله"، وهو البراءة من كل ما يعبد من دون الله، وإخلاص العبادة له وحده، وهذا هو معناها الذي دلَّت عليه هذه الآيات، وما في معناها.
فمن تحقق ذلك وعلمه، فقد حصل له العلم بها المنافي لما عليه أكثر الناس، حتى من ينتسب إلى العلم، من الجهل بمعناها.
- فإذا عرفت ذلك؛ فلا بد من القبول لما دلت عليه:
وذلك ينافي الرد؛ لأن كثيرا ممن يقولها ويعرف معناها لا يقبلها، كحال مشركي قريش والعرب وأمثالهم.
فإنهم عرفوا ما دلت عليه من البراءة، لكن لم يقبلوه؛ فصارت دماؤهم وأموالهم حلال لأهل التوحيد، فإنهم كما قال تعالى : {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ}، عرفوا أن "لا إله إلا الله" توجب ترك ما كانوا يعبدونه من دون الله.
- ولا بد - أيضا - من الإخلاص المنافي للشرك:
كما قال تعالى : {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ...}، إلى قوله: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ}.
وفي حديث عتبان: (من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله).
- ولا بد - أيضا - من المحبة المنافية لضدها:
فلا يحصل لقائلها معرفة إلا بقبول ما دلت عليه من الإخلاص، ونفي الشرك، فمن أحب الله؛ أحب دينه، ومن لا؛ فلا، كما قال تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ}، فصارت محبتهم لله ولدينه، فأحبوا من أحبه الله، وأبغضوا ما أبغضه الله.
وفي الحديث: (وهل الدين إلا الحب والبغض؟!).
ولهذا وجب أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إلى العبد من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، فإن شهادة "لا إله إلا الله" تستلزم أن محمدا رسول الله، وتقتضي متابعته، كما قال تعالى : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.
- ولا بد - أيضا - من الانقياد لحقوق "لا إله إلا الله":
بالعمل بما فرضه الله، وترك ما حرمه، والتزام ذلك، وهو ينافي الترك.
فإن كثيرا ممن يدعي الدين؛ يستخف بالأمر والنهي ولا يبالي بذلك، وحقيقة الإسلام أن يسلم العبد بقلبه وجوارحه لله، ويتأله له بالتوحيد والطاعة، كما قال تعالى : {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ}, وقال تعالى : {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}، وإحسان العمل لا بد فيه من الإخلاص، ومتابعة ما شرعه الله ورسوله.
- ولا بد - أيضا - لقائل هذه الكلمة من اليقين بمعناها، المنافي للشك والريب:
كما في الحديث الصحيح: (مستيقنا بها قلبه غير شاكٍ فيها).
ومن لم يكن كذلك فإنها لا تنفعه، كما دل عليه حديث سؤال الميت في قبره.
- ولا بد - أيضا - من الصدق المنافي للكذب:
كما قال تعالى عن المنافقين: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}.
والصادق يعرف معنى هذه الكلمة، ويقبله ويعمل بما يقتضيه وما يلزم قائلها من واجبات الدين، ويصدق قلبه لسانه.
فلا تصح هذه الكلمة إلا إذا استجمعت هذه الشروط.
وبالله التوفيق.
آخره
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
[الدرر السنية: ج2 / ص252 - 255]